عبقرية جلالة الملك.. حوّل الصحراء المغربية من بؤرة للصراع إلى جسر للتعاون الإفريقي
قال أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية والعضو في المجلس المغربي للشؤون الخارجية، إن الخطاب الملكي في ذكرى المسيرة الخضراء أكد عودة المقاربة الجيوسياسية في السياسة الخارجية المغربية، حيث شكل موضوع البعد الأطلسي الإفريقي العمود الفقري للخطاب.
وهذه المقاربة ليست وليدة اللحظة أو الصدفة بل هي نتاج سياسة هادئة تم إنضاجها على مهل منذ حوالي عشر سنوات حين بدأ المغرب الحديث عن منظمة اقليمية تجمع 23 دولة إفريقية مطلة على المحيط الأطلسي، وقد اجتمعت تلك الدول عدة مرات ولديها الآن سكرتارية دائمة تحتضنها المملكة.
مؤكدا أن عبقرية الملك في هذا المشروع؛ تتمثل في تحويل الصحراء المغربية من بؤرة للصراع كما يريد أعداء المغرب، ومن خندق لمحاصرة المغرب جنوبا وفصله عن عمقه الإفريقي، إلى جسر للتعاون والتكامل القاري ومنصة لوجستية تلعب أدوارا استراتيجية في الاندماج الإفريقي لحوالي نصف أعضاء الاتحاد الافريقي، 23 من أصل 54 دولة، بل ومنصة عالمية لربط أوربا بأفريقيا، وممرا استراتيجيا آمنا ومضمونا لنقل الطاقة بعيدا عن التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل تحديدا.
ويرى نور الدين، أن مشروع أنبوب الغاز الطبيعي نيجيريا-المغرب ليس إلا باكورة لهذا المشروع العملاق الذي سيشمل تطوير الطرق والسكك الحديدية والربط الكهربائي الذي سيخدم التنمية الصناعية والاجتماعية وفك العزلة، وربط الموانئ والمناطق اللوجستية والمناطق الصناعية، وغيرها من المشاريع الكبرى التي قد تصبح هي الرافعة الحقيقية لإنجاز الحلم الإفريقي المعبر عنه بأجندة 2063، والذي يهدف إلى حقيق التنمية والاندماج الإفريقي.
والجديد في هذا المشروع القاري الضخم، والذي قد يتحول إلى أكبر ورش عالمي، -يضيف المتحدث -هو الإعلان عن مبادرة دولية لتمكين دول الساحل غير المطلة على البحر من الولوج إلى المحيط الأطلسي، عبر تأهيل بنياتها التحتية وربطها بالسكك الحديدية وشبكات الطرق وصولا إلى الموانئ الأطلسية، مما سيكرس الارتباط الاقتصادي للعمق الإفريقي بالواجهة الأطلسية بشكل لا رجعة فيه.
“نحن أمام مشروع القرن 21 الإفريقي، الذي سيجعل من الاستثمار في البنيات التحتية رافعة استراتيجية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي لحوالي نصف عدد الدول الافريقية، وهناك تقديرات لبنك التنمية الافريقي تقدر حاجة إفريقيا بحوالي 100مليار دولار من البنيات التحتية خلال 10سنوات القادمة، وهي أرقام يمكن أن تجعل من قارتنا السمراء اهم محرك للاقتصاد العالمي. والتحدي الأكبر هو أن تستفيد الشركات الافريقية من هذه الصفقات بالدرجة الأولى قبل الشركات الأوربية والاسيوية”.
وعلى المستوى الاستراتيجي، قال الخبير في العلاقات الدولية، في تصريح لدوزيم، إن هذا المشروع يشكل مقاربة متكاملة ومندمجة لتحقيق الأمن والاستقرار عبر مدخل التنمية، لأن المقاربة الأمنية المعزولة في رأيه “أثبتت فشلها في عدة دول افريقية منها مالي وبوركينافاسو وإفريقيا الوسطى والصومال والسودان وغيرها. كما أن الهشاشة الاقتصادية للدول تشكل أرضا خصبة لاستقطاب الشباب من طرف التنظيمات المتطرفة والانفصالية ومنظمات الجريمة العابرة للحدود التي تنخر الدول الإفريقية”.
واعتبر أن مشروعا بكل هذه الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية، سيكون له صدى عالمي وليس فقط إفريقي، وسيحظى بالترحيب على صعيد القارة سواء على المستوى الثنائي او متعدد الأطراف، لأنه مشروع تتقاطع فيه كل الاهتمامات الراهنة إفريقيا وعالميا، ومنها التنمية الاقتصادية والاجتماعية، خلق فرص الشغل، الربط بشبكات الكهرباء والسكك والطرق، الاندماج الإقليمي والقاري، تأمين إمدادات الطاقة وخاصة النظيفة ومنها الغاز الطبيعي، توسيع استعمال الطاقات المتجددة، تعزيز الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال الاستثمار في البنيات التحتية، والربط السككي والطرقي وعبر الموانئ وتطوير المناطق اللوجستية، تحفيز النمو الاقتصادي العالمي، محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وغير ذلك.
أما كيف ستتعامل الدول الأطلسية، يجيب نور الدين أن هذا يعتمد على سرعة وفعالية تحرك الحكومة المغربية وعلى إشراك الدول الإفريقية ومنظماتها الإقليمية القائمة، والابتعاد عن الانفراد بالقرارات او إقصاء الآخر، وهذه المقاربة التشاركية يجب ان تأخذها في الحسبان الحكومة المغربية في تحركاتها لشرح المبادرة الملكية. وعليها أن تأخذها بالحسبان وهي تضع آليات إقليمية وقارية ووطنية، لتنزيل المشاريع التي تحدث عنها العاهل المغربي، سواء في الشق الدبلوماسي والاستراتيجي او الشق الاقتصادي وتعبئة الاستثمارات وأليات التنفيذ العملياتي، وعلى الحكومة أن تضع آليات للحكامة وطنيا وقاريا لهذه المبادرة الملكية. لأن الأفارقة إذا شعروا بأنه مشروع فوقي غير نابع من قراراتهم وارادتهم ولم يتم التشاور معهم من البداية، فإنهم لن ينخرطوا فيه بقوة، وهناك من سيحاول عرقلته.